كانت بداية القرن الرابع، موعدًا لنهاية زمن الاضطهاد، فإن مرسوم غاليريوس التسامحي ثم مرسوم ميلانو عام 312، اعترف بالمسيحية دينًا من أديان الإمبراطورية، وحسب التقليد فإن القديس قسطنطين قد وعد الله باعتناق المسيحية إن انتصر في أحد معاركه على الفرس، فكان له ما أراد.
وفي عام 330 قام بنقل العاصمة من روما إلىالقسطنطينية، والتي أصبحت مركز المسيحية الشرقية ومركز حضاري عالمي، فأضحت أعظم مدن العالم في ذلك العصر. وما تلا ذلك من تراجع سريع لبقايا الوثنية. وفي عام 325 انعقد المجمع المسكوني في نيقية للتباحث في قضايا تنظيمية وطقسية في الكنيسة، أما موضوعه الأساسي فكان المذهب الذي علّمه آريوس، والقائل بخلق الكلمة، وكونها من غير ذات الجوهر الإلهي، فعزل وحرم وصيغ في المجمع قانون الإيمان الذي لا يزال مستخدمًا إلى اليوم.
غير أن حرم الآريوسية، لم يكن يعني اندثارها، إذ استمرت في مختلف أنحاء العالم المسيحي، حتى القرن الثامن، وشغل أساقفة آريوسيون مناصب هامة في فترات معينة. وكان مجمع القسطنطينية عام 3800 قد جاء مكملاً لحرم الآريوسية بتثبيت طبيعة الروح؛ أما المجمعين اللاحقين أي مجمع أفسس عام 431 ومجمع أفسس الثاني أو مجمع خلقيدونية عام 4511 فقد انعقدا للتباحث في شؤونخريستولوجية، أي طريقة اتحاد الكلمة بالطبيعة الإنسانية، فحرم أولاً نسطور الذي قال بعدم وجود ارتباط بين الطبعين، في حين أقر مجمع خلقيدونية رسائل ليون الأول بابا روما المتعلقة بطبيعتي المسيح، غير أن المجمع شرخ الكنيسة، فإن الكنائس الأرثوذكسية المشرقية رفضت القول بالطببعتين بعد الاتحاد وقالت بالطبيعة الواحدة من طبيعتين، كما في مجمع أفسس الثاني، وشكل أتباع هذا القول أكثرية مسيحيي أرمينيا ومصر والحبشة والريف السوري، ولا يخفى الواقع السياسي والاجتماعي في تأجج هذا الخلاف الذي شطر الكنيسة والامبراطورية والمجتمع، وحاول العديد من الأباطرة لجمه بصيغ وسطى أو توحيدية أمثال الهينوتيكون إلا أنهم فشلوا.
غير أن الفترة ذاتها كانت حملت انتشار وتطور الفنون المسيحية لاسيّما العمارة في النمط المعروف باسم "بازيليك" أو "كنيسة كبرى"، وتكاثرت الكنائس والرهبانيات، وكانتكنيسة الحكمة المقدسة في العاصمة يخدمها 525 رجل دين بينهم 60 كاهنًا لوحدها، وأصدر الإمبراطور يوستيانوس قانون الشهير عام 5388 في تنظيم الحياة الكنسيّة وقضايا عديدة والتي جمعها وبوبها من قوانين وتقاليد وافرة سابقة، وكذلك فقد قدمت الكنيسة عددًا من المدارس الفلسفية والأدبية، كما يبدو في مجمل الأدب السرياني واليوناني؛ وقد شاع في ذلك العصر بنوع خاص إكرام الأيقونات وذخائر الشهداء والقديسين، ووصلت المسيحية بفضل جهود المبشرين إلى آسيا الوسطى والصين وكوريا وأقامت فيها أبرشيات.
وعلى الرغم أن الدين، لاسيّما في كتابات القديس أوغوسطين وهو أحد الملافنة، ينصّ على كفالة حرية غير المسيحيين وحقوقهم سواءً كانت دينية أم مدنية، إلا أن ذلك العصر قد شمل اضطهادات في بعض المناطق ضد اليهود أو الوثنيين وشمل في بعض الأحيان الفرق المسيحية ذاتها سواءً أكانوا من أنصار الطبيعة أم الطبيعتين.
ومع بداية القرن السابع، سيطر الفرس على الهلال الخصيب، وأجزاء من اسيا الصغرى، وأعلنوا الطبيعة الواحدة مذهبًا رسميًا، غير أن هرقل استطاع استعادة البلاد في العقد التالي، وإذ أدرك أهمية توحيد الفريقين اجترح الصيغة الجديدة القائلة بالطبعين في مشيئة، غير أن محاولته فشلت ثم أدينت بوصفها هرطقة في مجمع القسطنطينية الثالث عام 681.
وخرج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا عن طاعة الإمبراطورية بوصول الإسلام، وكانت أوضاع المسيحيين في ظل الدولة الأموية والعصر العباسي الأول مزدهرة، وقد برزالسريان والنساطرة في الترجمة، العلوم، الفلك والطب فإعتمد عليهم الخلفاء.
غير أنها انتكست نتيجة الاضطهادات لاسيّما أيام المتوكل على الله العباسي والحاكم بأمر الله الفاطمي، وعدد من خلافائهما، كما أن عملية التحول عن المسيحية ازدهرت في القرنين التاسع والعاشر؛ وقد استقرت أوضاع المسيحية الشرقية على هذا الحال بين أزمنة استقرار وأزمنة مضايقات أو اضطهاد، وانحسر تأثيرها في محيطها كما في العالم المسيحي. أما في الغرب، فإن شعوب أوروبا الوسطى والشرقية، تحولت إلى المسيحية، واعتنقتبريطانيا المسيحية على يد القديس باتريك في احين اعتمدت روسيا في ختام القرن العاشر.
وبات لبابا روما، دور كبير لا على الصعيد الديني فحسب بل على الصعيد المدني أيضًا، وغدا الباباوات يتوجون الأباطرة؛ وإن كان الإقطاع والتخلف الحضاري سمات أوروبا آنذاك، فإن الأديرة والكنائس كانت المراكز الحضرية الوحيدة فيها، وقد لعبت الرهبنات الأوغوسطينية والبندكتية وكذلك دير كلوني دورًا رائدًا في الغرب. وقد شكل الخلاف حول "مسكونية" كرسي روما، واتهامها بالاحتكار، الانشقاق العظيم عام 1054.