كانت المرحلة الثانية من القرون الوسطى تركزًا لزعامة العالم المسيحي في الغرب، الذي بدأ يخرج من ركوده السابق، وكان للكنيسة نشاط في مختلف الميادين، وحسب رأي المؤرخ الفرنسي جورج مينوا:
"يسعنا الحديث دون مبالغة عن ثورة عملية قادتها الذهنية الكاثوليكية في القرن الحادي عشر".
هذه الثورة التي كانت تجلياتها الخارجية بالحملات الصليبية ثم حروب استعادة الأندلس، كانت تجلياتها الداخلية بتحسن الوضع المعيشي في أوروبا، ومن ثم تحسين مركزية الدولة، ورعاية العلوم والفلسفات، ويذكر في هذا الصدد على وجه الخصوصالقديس توما الإكويني. وتزامنًا، انتهى الانشقاق البابوي، وانخفض مستوى التوتر بين الأباطرة والباباوات؛ وأما الحدث الأبرز في القرون الوسطى ولا شكّ، كان اكتشاف العالم الجديدبدءًا من عام 1492، وغالبًا ما كانت الحملات الاستكشافية تتم بمباركة الكنيسة، التي تمكنت من تأسيس مراكز لها في الأصقاع المكتشفة حديثًا كما في الشرق الأقصى وأفريقيا الجنوبية.
هذه الاكتشافات أدت إلى تدفق الذهب نحو إيطاليا، وغدت روما وفلورنسا وجنوا عواصم النهضة التي سرعان ما عمّت أوروبا، فاسحة المجال لترف ووفرة لا اقتصادية فقط، بل ثقافية وعلمية أيضًا، وإن بعضًا من الرهبانيات الكبيرة الأثر في التاريخ كالرهبنة الفرنسيسكانية والدومينيكانية، قد تأسست خلال تلك المرحلة، وكذلك تطور الاهتمام بتشييد الكاتدرائيات الكبرى، والجامعات، والمشافي، وتشجيع الفنون، وبخاصة الموسيقى، والنحت، والرسم، وانتشرت الجامعات، والنوادي الاجتماعية التي شكلت سمات عصر النهضة الأوروبيّة والنهضة البابوية.
على الصعيد العقائدي، فقد تمت عملية إعادة قراءة للعقائد، فعلى سبيل المثال فإن تعاليم أرسطو عن "الجوهر والشكل" باتت أساس شرح سر القربان. وعلى الرغم من هذا الازدهار فلم يكن العصر خاليًا مما يؤرق أوروبا، إذ تمكنت الدولة العثمانية من فتح القسطنطينية عام 1453 وتحول ثقل الأرثوذكسية نحو روسيا، كما أن الثروات المتدفقة إلى الغرب أدت إلى انتشار الفساد المالي والأخلاقي حتى داخل بعض أروقة الكنيسة ذاتها، وإلى سيطرة بعض العائلات أمثال آل ميديتشي على الكرسي الرسولي، ويشار إلى عهد البابا ألكسندر السادس بوصفه ذروة الفساد.
هذا الوضع، قد دفع لقيام حركة إصلاح بالغة الأثر في الكنيسة والعالم، كانت ذات شقين، الأول مع مارتن لوثر عام 1518 وما اصطلح عليه اسم الإصلاح البروتستانتي، والذي اتسع ليشمل أوروبا الشمالية برمتها، كما أتبع بظهور عدد آخر من المصلحين الإنجيليين أمثال كالفن ويان هوس؛ وظهور الكنائس الوطنية المستقلة مع الإصلاح الإنجليزي 1534؛ والشق الثاني ما يعرف بالإصلاح المضادأو الإصلاح الكاثوليكي الذي شكل مجمع ترنت، والرهبنة اليسوعية، ثم سيطرة المحافطين على الكرسي الرسولي بدءًا من وفاة البابا جول الثالث عام 1555 عماده الرئيسي.
من نتائج السياسة المحافظة كانت محاكم التفتيش التي نشأت للرقابة على الفلسفات والأفكار الآخذة بالتصاعد والبروتستانت أساسًا، وشملت أيضًا في أهدافها الموريسكيين واليهود، الذين أضمروا دينهم سرًا وأظهروا المسيحية، وكانوا قد خيرّوا بين اعتناق المسيحية أو الهجرة في إسبانيا وحدها. في المقابل، فإن أصقاعًا أخرى من العالم المسيحي، كهولندا والمستعمرات الإمريكية كانت موئلاً للأقليات المضطهدة لاسيّما اليهود وحاضنًا للأفكار والفلسفات الجديدة.
أما الاحتقان في أوروبا بين الكنيسة الكاثوليكية والكنائس البروتستانتية قد دفع إلى تفجر سلسلة حروب أهلية كان أكبرها حرب الثلاثين عامًا التي اندلعت عام 1618، ومع منتصف القرن تم الدخول في مرحلة من السلام والاعتراف المتبادل.